سُئل أحد الحكماء:
من أهم الناس في حياتك؟
فأجاب:
أنا
استغرب الكثير من هذه الإجابة واستنكرها عدد كبير أيضاً ولكن وبعد أن فسرها لهم تبيّنوا الحكمة في قوله.
فتفسيره لها كان بقوله إنني بكل الأعمال الصالحة أو غير الصالحة التي أقوم بها فإن المستفيد النهائي أو المتضرر النهائي منها هو أنا لهذا فأنا أهم شخص في حياتي،،
هذه الإجابة بالإضافة إلى رسالة وصلتني منذ زمن ليس بالقريب كان عنوانها
إلى متى؟
سؤال قد يبدو للوهلة الأولى أنه سؤال عابر ولكنه في الحقيقة يتطلب جلسات وجلسات للإجابة عليه ..
إلى متى ..
قد نسأل أنفسنا ألف سؤال يبدأ بقولنا:
إلى متى
وقد نعجز عن إجابة بعضها ونحتار في إجابة الآخر ولكن ما تبادر إلى ذهني منذ ذلك الوقت أمر مختلف عن المألوف بعض الشيء لقد فكرت بفئة من الناس لم تؤمن بحكمة هذا الحكيم ولم تفكر بنفسها مطلقاً وقدمت التنازلات تلو التنازلات ظناً منهم أنهم يفعلون الأفضل للناس ولأنفسهم وهم في حقيقة الأمر في عملهم هذا يؤمنون بالمثل القائل:
كن كالشمعة تحترق لتضئ للآخرين
أليس هناك سبيل أضئ فيه للآخرين دون أحرق نفسي؟
سيقول البعض:
في بعض الأحيان نعم لا توجد وسيلة أخرى
وسأرد:
في كل الأحوال توجد عدة وسائل للوصول إلى ذلك لكننا لم نرها نحن حينها أو لم نبحث عنها جيداً أو ربما لم نبحث عنها حيث ينبغي لنا أن نفعل ،،،
أحبتي في الله
من هذا المنطلق وقبل ما يقارب سنتين إن لم يكن أكثر عقدت العزم على أن أقوم بدراسة ميدانية قد تكون متفردة وجريئة بعض الشئ في مجتمعنا هذا وقد يكون هناك من سبقني إليها،، إلا أنني لم أقرأ عنها في الكتب ولم أسمع بها من قبل ربما لأني مُقِّلٌ في القراءة.
هذه الدراسة شملت فئة من الناس وجدوا أنفسهم فجأة مجبرين على الإيمان بالقول
كن شمعة تحترق لتضئ للآخرين
والعيش أو التعايش معه.
رجال ، نساء ، فتيان ، وفتيات
لقد شملت الدراسة مختلف الفئات العمرية من كلا الجنسين ومختلف الحالات والصفات والأوضاع الاجتماعية
عزّاب ، متزوجين ، أرامل ، مطلقات ، من لم يتزوجوا من الجنسين من لم يرزقوا بالأطفال من الجنسين
فئات وأجناس وأعمار توزعوا في بلاد مختلفة لم يجمع بينهم سوى أمر واحد هو:
التضحية
عفواً، أقصد المبالغة في التضحية
بعد أن وزعت الاستبانة الخاصة بالطرق المتبعة وبعد أن جمعت الإجابات وقمت ببعض المقابلات مع من رغب في ذلك.
بعدها جاءت عملية تجميع المعلومات فخلال عملية استخراج المعلومات قمت بتوزيع الأشخاص على مجموعات حسب الأعمار.
ثم قمت بتوزيعهم حسب الصفة الاجتماعية،، بعدها حسب نوع وحجم التضحية،، وفي كل مرة أجد أنني بحاجة إلى تصنيف آخر جديد،،
في نهاية المطاف توصلت إلى أن أصنفها حسب تشابه الأوضاع بين الحالات،، وخرجت بالمجموعات التالية:
آباء وجدوا أنفسهم بعد فترة في مواجهة جهاد التربية بدون الزوجة التي هي الأم وواصلوا المشوار بدونها باختلاف أسباب عدم تواجد الأم (الزوجة).
أمهات وجدن أنفسهن بعد فترة في مواجهة جهاد التربية وجهاد العمل من أجل أبنائهن وبناتهن بدون الأب (الزوج) وباختلاف أسباب ابتعاد الزوج أو عدم تواجده.
زوجات يتبين لهن أن زواجهن فاشل من اليوم الأول فيبقين مع أزواجهن لأسباب وهمية أو واهنة ولعدة حجج مختلفة قد أتطرق لبعضها فيما بعد.
أزواج يتبين لهم أن زواجهم فاشل من اليوم الأول ولا يغيرون ساكن لأسباب مشابهة للأسباب التي منعت الزوجات في المجموعة السابقة.
أبناء وجدوا أنفسهم فجأة مسئولين عن إخوانهم وأخواتهم وربما أمهاتهم أيضاً باختلاف أسباب اختفاء الأب.
فتيات في نفس أوضاع الشباب في المجموعة السابقة.
فتاة تتزوج مجبرة من رجل غير مؤهل لأن يكون زوجاً لها باختلاف الأسباب التي تجبرها على ذلك.
شاب يتزوج من فتاة مجبراً عليها لا راغبا فيها
والمجموعات كثيرة ولكنني اخترت ما سبق منها لأنها كانت الأكثر من بين الحالات التي صادفتها خلال الدراسة التي قمت بها.
ما الجديد في دراستي؟؟
الجديد أنني ضمنت الاستبانة والأسئلة التي طرحتها أيضاً على من قابلتهم مجموعة اسئلة مخادعة بعض الشيء (حركات الأجودي المعهودة)
لن أذكرها هنا لأنني أرغب في اسخدامها في المستقبل و لكن سأوضح مقصدي أكثر؛ لقد سألت أسئلة تكون إجابة الشخص فيها عادية ومنطقية، يشعر هو من خلال السؤال أنه سؤال روتيني عادي لكنني أستنتج من جوابه كيف يشعر الآن بعد التضحية التي قدمها باختلاف نوع التضحية بين الحالات.
سأبسط الأمر أكثر وسأعطي مثال مشابه لهذه الأسئلة:
من بين الأسئلة ياتي هذاالسؤال:
ما هو حلم عمرك؟
بعد سؤالين أو 3 يأتي هذا السؤال:
كيف تشعر الآن بعد أن فاتك تحقيق حلم عمرك؟
النتيجة لم تكن مخالفة لما توقعته فقد أجمع الأغلبية على أنه كان بالإمكان تحسين الوضع وتعديله بدون أن تصل التضحية إلى هذا الحجم الذي وصلوا بها إليه.
ولنعد إلى المجموعات التي ذكرتها في الأعلى:
المجموعة الأولى:
ما الذي منع الرجل من الزواج من أخرى لها مثل ظروفه مثلاً ً ليقوما معاً بتكملة برنامج التربية الذي لا يقوم به الأب منفرداً أو الأم منفردة،
والكلام نفسه ينطبق على المجموعة الثانية.
المجموعة الثالثة:
ما الذي يمنع المرأة من طلب الطلاق إن وجدت وتأكد لها بعد فترة من الزواج أن هذا الزواج فاشل وأنها وزوجها لا يصلحان للعيش معاً.
نحن نتكلم عن ملسمات مادية وقدرة الله فوق كل شئ -.
والكلام نفسه ينطبق على المجموعة الرابعة،
بل في هاتين المجموعتين ينتهي الأمر بالطلاق سواء كان من ضحى الزوج أو أن الزوجة هي من قامت بالتضحية، فإن الطلاق يقع بعد فترة طويلة من الزواج وبعد أن يكون بينهم أبناء فيكون حجم الواقعة أو الكارثة أكبر من لو أن الطلاق وقع مبكراً.
المجموعة الخامسة:
هؤلاء الأبناء أو هؤلاء الفتيات يمتنعون عن الزواج من أجل بقية الإخوّة وبحجة أنهم يريدون أن يطمأنوا على من يصغرونهم قبل أن يفكروا في أنفسهم وفي الزواج، ويتحججون بقولهم ماذا لو ...
وتعرفون ما يأتي بعد لو هنا ..
هل فعلاً معهم حق في هذا؟؟؟
المجبرة والمجبر على الزواج:
ما الذي يجعل كلاً منهما يرضخ ويقبل مع علمه الأكيد أنه لن يسعد في زواجه - إلا ما شاء الله -
وأن نهاية المطاف ستكون بالطلاق وغالباً بعد قدوم أطفال بين الزوجين، أو بالحياة منفصلين داخل المنزل متزوجين أمام المجتمع فقط وهي أقسى كثيراً من الانفصال الفعلي.
أحبتي في الله
أعلم تمام اليقين أن كلامي لن يقبله البعض بسهولة وقد يستغرب البعض إذا قلت:
"لا يهمني إن قُبل كلامي أو رُفض"
ما يهمنى هو أنني وصلت إلى قناعة تامّة وذلك بناءً على أرقام وحالات وليس بناءً على نظريات أو فلسفيات لقد أدركت يقيناً إن من يقدم التضحية الكبيرة وينسى نفسه، وأقصد التضحيات في مجال الحياة، فإنه يأتيه يوم وإن لم يندم فيه، فقد تحدثه نفسه بشي من الحسرة على العمر الذي مضى.
أرجو أن يفهم الجميع ما أعنيه قبل التعجل بالحكم فهذه ليست دعوة لنسيان التضحية أو إلغائها من قاموس تعاملاتنا ولكن هي دعوة صادقة لتقنينها ووضع حد فاصل لها خط أحمر لا نتجاوزه في عملية التضحية وإلا فالنتيجة لن تكون مثل ما نصبوا إليه.
فمن خلال الدراسة تبين أن فئة كبيرة ممن شملتهم الدراسة لم يصلوا إلى الهدف الذي كانوا يصبون إليه حين عقدو العزم واتخذوا قرار التضحية .
لماذا؟
لأنهم اخطئوا الطريق. ووقت اتخاذ القرار كانت هناك عدة عوامل مشغلة ومشتتة منعتهم من رؤية الوضع على حقيقته ومن ثم اتخاذ القرار الأكثر ملائمة له.
أحبتي في الله
هذه دعوة لأن تفكرّوا في أنفسكم أثناء تفكيركم في الآخرين،،
أي اجعلوا لأنفسكم نصيباً من هذه التضحية.
أوليس محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة وعلى آله وصحبه ومن والاه هو قدوتنا الأولى في كل شئ؟
هل نسي رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه؟
هل أهملها؟
هل كان مضحياً في كل حياته ؟؟؟؟
هذا والله ولي التوفيق.