صناعة القدوات المزيفة إعلامياً وتأثيرها على المجتمع
تعيش العديد من المجتمعات في عصرنا الحالي في مواجهة تحديات متعددة، ويأتي في مقدمتها التأثيرات العميقة للإعلام في تشكيل وعي الأفراد، لا سيما الجيل الصغير. أحد أبرز هذه التحديات هو صناعة القدوات المزيفة، التي يُروج لها الإعلام بطرق مبتكرة، مما يؤدي إلى تشكيل مفاهيم غير صحيحة لدى الشباب قد تؤثر في مسار حياتهم وفي مواقفهم تجاه وطنهم والعالم من حولهم.
صناعة القدوات المزيفة هي عملية ترويج وتبني شخصيات أو نماذج غير حقيقية أو غير مؤهلة لتكون قدوات للأجيال الشابة، وهي تتجسد غالبًا في الأشخاص الذين يظهرون في الإعلام بمظهر مثالي، لكنهم يفتقرون إلى القيم الإنسانية أو الأخلاقية التي تجعلهم بالفعل قدوة يُحتذى بها. يتم تقديم هؤلاء الأفراد على أنهم نماذج للنجاح، لكن الحقيقة أنهم قد لا يعكسون القيم التي يجب أن يتعلمها الجيل الجديد. والأخطر كم ذلك هو صناعة مفاهيم وبث قيم ومعتقدات جديدة تبرر الغايات والأهداف التي يسعى لها من يقف خلف صناعة هذه القدوات والأهداف المستقبلية لها.
تكمن الخطورة الفعلية في تأثير هؤلاء القدوات المصنوعة على من يتلقى طرحهم أو يشاهدهم على وسائل الاعلام فالبعض من هم أصبح قائداً ملهما يوجه متابعيه ومحبيه لفعل أو ترك وكأنه قائد فعلي لهم يوجههم كما يشاء دون شعور منهم للخطر الذي يتحركون باتجاهه.
وسائل الإعلام ودورها في صناعة القدوات المزيفة
الإعلام، بمختلف أشكاله، سواء كان تقليديًا أو رقميًا، يعتبر الأداة الأساسية في تشكيل الوعي الاجتماعي. من خلال الأفلام، المسلسلات، وسائل التواصل الاجتماعي، والإعلانات، يتم تسليط الضوء على شخصيات تمثل معايير وأهدافًا قد تكون مغلوطة أو سطحية، مما يساهم في خلق تصورات خاطئة عما يجب أن يكون عليه الإنسان الناجح.
عندما نشاهد كل هذا في وسائل الاعلام هل سنبقى نظن أنها مجرد موجات أم أنها سيناريوهات يتم إعدادها بشكل منظم تتوافق طرق طرحها مع المستجدات الفكرية والسياسية والتغيرات الاجتماعية.
فإذا عدنا النظر إلى الحقب الزمنية القريبة سنجد ترابط في الأمر وكأنها أعدت لتكون كل مرحلة منها أساساً أو مقدمة للمرحلة التي ستأتي بعدها.
في كثير من الأحيان، تُعرض الشخصيات المشهورة، سواء كانت مغنيين، رياضيين، أو مؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي، على أنهم قدوات حقيقية بسبب شهرتهم أو مظهرهم الجذاب، بينما قد تكون حياتهم الشخصية مليئة بالتحديات الأخلاقية أو السلوكية التي لا تتوافق مع القيم الاجتماعية الأصيلة.
التأثير لا يقف عند المشاهير فقط بل وصلنا لمرحلة صناعة مشاهير من لا شيء لسهولة توجيههم ثم التأثير الأسهل على من يتابعهم ويحبهم أو من يرغب بأن يكون مثلهم.
تأثير القدوات المزيفة على الجيل الصغير
عندما ينشأ الجيل الصغير في بيئة تحيطهم بصور قدوات مزيفة، فإن ذلك يؤثر بشكل مباشر على مفاهيمهم وقيمهم. يبدأ هؤلاء الشباب في محاولة محاكاة هذه الشخصيات، ظنًا منهم أن النجاح أو السعادة مرتبطان فقط بالمظاهر أو بالمال والشهرة، وأن كل ما عليه أن يفعله هو متابعة وتقليد هؤلاء لينال الشهرة والمالي كما حصل معهم وكأن هذا أسمى ما في الحياة أو غاية ما يحتاج المرء للوصول إليه.
هذا التوجه قد يؤدي إلى فقدان الهوية الحقيقية للجيل الصغير، حيث يبدأون في تقدير الأمور السطحية على حساب القيم الأساسية مثل الأمانة، الجهد المستمر، والإبداع. كما أن هذا النوع من القدوات المزيفة قد يعزز مفاهيم سلبية مثل الأنانية، الاستهلاك المفرط، والتنافس غير الصحي. وقد يصل الأمر إلى الاستهانة بإيقاع الضرر على الآخرين أو حتى التعدي عليهم.
أخطر من كل هذا أن يتم إعدادهم وتوجيههم لصناعة الفوضى أو خدمة توجهات تعادي الإنسانية والمجتمعات وتجعلهم صيدا سهل لصناع الإرهاب أو تجار ومروجي المخدرات.
الأضرار النفسية والاجتماعية الناتجة عن القدوات المزيفة
تأثير القدوات المزيفة لا يقتصر فقط على المفاهيم الاجتماعية بل يمتد إلى الصحة النفسية. فعندما يشعر الشباب أنهم لا يستطيعون مطابقة المعيار الذي فرضه الإعلام، قد يعانون من مشاعر الإحباط، العزلة، وفقدان الثقة بالنفس. قد يؤدي ذلك إلى مشاكل نفسية خطيرة مثل القلق والاكتئاب، ويزيد من خطر الانتحار في بعض الحالات.
من الناحية الاجتماعية، يمكن أن تؤدي صناعة القدوات المزيفة إلى تفكك العلاقات الاجتماعية الحقيقية، حيث تصبح العلاقات الشخصية محكومة بمعايير غير واقعية ويبحث الأفراد عن المثالية في أشخاص لا يعكسون الواقع.
كيفية التصدي لصناعة القدوات المزيفة
للتصدي لهذه الظاهرة السلبية، يجب على المجتمع ككل أن يشارك في توعية الشباب حول أهمية القيم الحقيقية مثل الأمانة، العمل الجاد، والتعاون. كما يجب أن يتعلم الشباب التمييز بين القدوات الحقيقية وغير الحقيقية، وأن يدركوا أن النجاح لا يعني بالضرورة الشهرة أو المال، بل هو نتيجة للجهد والمثابرة.
من الضروري أيضًا أن تتبنى وسائل الإعلام مسؤولية أكبر في تقديم شخصيات حقيقية تتمتع بالقيم الإنسانية، مع التركيز على تسليط الضوء على نماذج ناجحة في مجالات متنوعة، سواء في العلوم، الفنون، أو الأعمال الاجتماعية.
فأصحاب القيم السليمة والقدوات الحقيقية في مجتمعاتنا يتم تغييبهم إعلامياً وأحياناً يصل الأ/ر إلى محاربتهم وتأليب المجتمعات عليهم.
دور الأسرة والمدرسة في توجيه الشباب
الأسرة والمدرسة هما الأساس في بناء شخصية الفرد. يجب على الأسرة أن تكون هي القدوة الأولى التي يتبعها الأبناء، وتزويدهم بالقيم الحقيقية التي تقوي شخصيتهم وتنمي قدراتهم. كما أن المدارس يجب أن تساهم في تعزيز التعليم حول التمييز بين القدوات الحقيقية والمزيفة، وتقديم نماذج علمية واجتماعية يمكن للشباب أن يقتدوا بها.
الخاتمة
إن صناعة القدوات المزيفة إعلاميًا ليست مجرد ظاهرة سلبية فحسب، بل هي تحدي حقيقي يواجه المجتمعات في عصرنا الحالي. بينما يسعى الإعلام إلى تقديم نماذج مشوهة وملونة للنجاح، يجب على الجميع – من أسر ومؤسسات تعليمية ومنظمات اجتماعية – العمل معًا على تعزيز القدوات الحقيقية التي تعكس القيم الإنسانية والمجتمعية الرفيعة.
علينا بذل المزيد من الجهود لضمان أن الجيل الصغير يدرك كيف يميز بين ما هو حقيقي وما هو مزيف، ويستثمر في بناء نفسه من خلال قيمه الخاصة ورؤيته الإنسانية بعيدًا عن التأثيرات السطحية.
التوعية والإرشاد هما السبيل لتجاوز هذا التحدي، لضمان نشوء جيل قادر على المساهمة في تطوير وطنه والعالم بشكل إيجابي وبناء.