الحياة المتزنة تتطلب منّا أن نكون قادرين على الاتصال مع بعضنا البعض بطريقة إيجابية ولطيفة.
أطفالنا، مقدرتنا على الاتصال الفعّال معهم (وليس فقط الاتصال بهم) هو ما نعتبره أهمية قصوى بالنسبة لنا كآباء وهو الدور الذي لا ينتهي مهما تقدم العمر بنا أو بهم.
من بين ما يتوجب علينا فعله لهم:
1. تعليمهم
2. نقل خبرتنا إليهم بطريقة يدركونها ويقدرونها بها
3. توصيل حبنا لهم
4. العمل على حل أي اختلاف قد يحصل معهم أو لهم باستخدام أقوال وأفعال مناسبة ومحترمة.
كم من المآسي العائلية والمنازعات، الآلام، العلاقات المضطربة التي تؤدي بالتالي إلى أطفال مضطربين ...، يمكن تجنبها فعلاً إن نحن وفقنا لخلق اتصال رائع وفعال مع أطفالنا؟
الإجابة بالطبع: الكثير.
إذن فالخطوة الأولى التي يتفق عليها الكثير من مَن لهم علاقة بعلم (الاتصالات البشرية) تكمن في تغيير مسار التفكير والتعامل لدى الآباء من توجيه التعليمات إلى الأطفال بشكل مباشر وملاحظة اتباعهم لها أو مخالفتها إلى التركيز على مهارات الاتصال وحل المشكلات التي قد تحصل لـ أو مع أطفالهم.
إن لكل رحلة خريطة يتبعها الربان والبحارة، وعالمنا الذي نعيش فيه ليس سوى رحلة نحن من نستطيع صياغة خريطتها ورسمها بطريقة يمكن لأطفالنا أن يقرءوها ويستدلوا بها على المواقع المهمة في حياتهم ومن ثم مواصلة السير والتحديث عليها دون الحاجة للرجوع لنا في كل خطوة يفعلونها في رحلتهم هذه.
كنتيجة طبيعية، فإن مسؤوليتنا كآباء تتطلب منّا البحث عن مصادر جديدة نطور بها أنفسنا ومهاراتنا لنتمكن بعون الله تعالى من تربية أطفال سعداء أصحاء.
في بعض الأحيان قد يجد الوالدين صعوبة بالغة في التواصل مع الطفل خصوصاً في السنتين الأولى من عمره، وأعني هنا في العمر الذي يسبق قدرته على التعبير بكلمات أو إشارات مفهومة من قبل الآباء.
بينما في الحقيقة أن الطفل وحتى قبل الكلام أو حين يبدأ بنطق عبارات قصيرة جداً أو يكتفي بقول كلمة واحدة فقط، فإنه يخبرنا بالكثير، ولكن المشكلة الفعلية هي أننا لا نستقبل ما يرسلونه لنا جيداً فيضيع أكثر الرسالة وبالتالي لا نفهمهم.
فالطفل الصامت مثلاً يخبر أهله برسالة مفادها (اتركوني وشأني)، والطفل الذي لا يشارك ما يشعر به في حياته إنما يحمي نفسه من والديه اللذان يبدوان له وكأنهما متطفلان، شديدي الانتقاد.
بعض الآباء يخدعون أنفسهم بالتفكير في أن الاتصال مع أطفالهم جيد لأنهم يتحدثون دوماً عن أشياء أكاديمية، ولكن إذا ما نظرنا ببعض التفحص للأمر سنجد أن الاتصال بينهم وبين أطفالهم شبه معدوم لأنهم عودوا طفلهم على التلقي والتلقي فقط.
نصائح وتوجيهات:
1. أبق هدفك البعيد في ذهنك، ركز على علاقات طبيعية وصحية حتى يستطيع طفلك أن يأتي إليك حين يواجه مشكلة، يتعلم منك، ويثق بالنصائح والقيم التي تشاركه إياها
الهدف من المحادثات التي تدور بينك وبين طفلك ليس فقط لمعرفة ماذا حصل في المدرسة، أو أن يعطيك طفلك ملخصاً لأهم أحداث يومه، ولا لإدارة مستقبل ابنك العلمي أو التأكد من كونه يسير في المسار الذي حددته أنت ليدخل كلية أحلامك.
فإن وجدت نفسك تحاول أن تدير حياة طفلك أو تتدخل في أغلب شؤونه، فهذا مؤشر لأن تحرص على تعلم كيفية خدمة أهداف الآخرين والفصل بين أهدافك أنت وأهداف الآخرين وبالتالي الفصل بين حياتك أنت كشخص وحيات إبنك كشخص آخر، وأهدافك أنت وأحلامك وأهدافه هو وأحلامه فأنتما شخصين مختلفين حتى وإن كان هو امتداد لك.
2. امنح طفلك مساحة أكبر، الأطفال غالباً أو لنقل دائماً يحبون بعض الوقت للفسحة بعد المدرسة، إنهم يحتاجون وقتاً مستقطعاً وآخر ما يرغبون في فعله أو قوله حين يرون أحد والديهم هو أن يدلوا بتقريرهم اليومي عن المدرسة، خصوصاً إذا كان أحد الوالدين يركز كثيراً على المستقبل الأكاديمي.
في الواقع غالبية الأهل يبادرون طفلهم بالسؤال:
"كيف كان يومك في المدرسة اليوم؟"
أو "ماذا فعلت اليوم في المدرسة؟"
لو فكرنا قليلاً في الأمر أو طبقنا المسألة على أنفسنا، فهل أول ما نرغب في الحديث عنه حين نعود إلى المنزل هو "العمل" !!؟؟
إن طفلك يشعر بالشيئ ذاته تقريباً فانتبه لهذا الأمر حين يعود طفلك من المدرسة غداً.
3. اتصل به ولكن لا تستجوبه، لا شئ يطفئ الطفل أكثر من سلسلة من الأسئلة المتتابعة عن شيء واحد خصوصاً إذا كان هذا الشيء يهم أحد الوالدين أكثر مما يهم الطفل نفسه، الأطفال بطبعهم لديهم حساسية عالية جداً ويستطيعون قراءة والديهم بسهولة ويسر، وإذا كان لديك قائمة محددة في ذهنك فتأكد من أن طفلك (سيطفأ) الطفل غالباً يحب المشاركة ويتابع ما إذا كان من يتحدث إليه من الوالدين يرغب في هذه المشاركة ولديه شيء من الاهتمام بما يقوله الطفل ويشعر به.
عادةً إعادة صياغة ما يقوله الطفل ستوفر لك معلومات أكثر من طرح الأسئلة، إعادة الصياغة توصل لطفلك اهتماماتك وتفهمك لما يقوله لك، وهي تشجع طفلك على مواصلة الحديث.
4. استخدم الأسئلة الافتتاحية –الختامية لتشجع المحادثة، اسأل أسئلة تشجع على الاستمرار في المحادثة، فكر مثل الصحفي، اسأل أسئلة تبدأ بـ مَن، ماذا، كيف، متى وأين، وتجنب الاستفهام بـ لماذا، وتجنب أيضاً أي أسئلة يمكن الإجابة عليها بـ نعم أو لا.
كيف كان يومك؟ غالباً ما تكون بداية رائعة، لأنه سؤال افتتاحي ختامي، وهو يمنح طفلك المزيد من الحرية والمساحة للتحرك في عدة اتجاهات، وهنا ينبغي عليك أن تتابعه جيداً ليدرك أنك معه فيستمر،
يمكن البداية أيضاً بـ : ما الذي يحصل في مدرستكم؟؟ أو من رأيت اليوم في المدرسة؟ ...
5. شجّع طفلك دوماً ولكن كن متيقظاً لما تقرّه من سلوكياته التي حدثك عنها وكن حذراً أكثر في تصحيحك لهذه السلوكيات فيما لو كانت خاطئة، فمن السهل جداً أن نقع في مصائد أطفالنا الذكية.
الأطفال أذكياء جداً وسريعوا الملاحظة وهذه بحد ذاتها فائدة يجب استغلالها بشكل إيجابي من قبل الآباء، ولكن هذا وحده لا يكفي فهم بحاجة إلى تعلم واكتساب الكثير من المهارات والخبرات لصبحوا سعداء وناجحين في الحياة.
عندما يولي الآباء اهتماماً بالغاً بشجاعة طفلهم الفكرية، فإن الطفل سيتعلم البحث عن الاستحسان والقبول لذلك عوضاً عن التقدم في تطوير المهارات الاجتماعية. الشخصيات الإيجابية، المزايا والطباع و القدرات الأخرى.
6. استخدم خبراتك بلباقة، فمن الطبيعي أن تتحدث عن خبرتك أو تجاربك، فطفلك ستعلم منها، ولكن تذكر أنه ليس من العدل معه أن تدفع بنصائحك إليه دفعاً، ولكن عوضاً عن ذلك حاول أن تشركه في خطوات حل المشكلة
7. ركز أكثر على الفعاليات الاجتماعية أكثر من الفكرية، فالأطفال عادةً ما يحتاجون الدعم في تكوين علاقات اجتماعية صحيّة مع نظرائهم.
الدعم الذي نتحدث عنه هنا يبدأ بالسؤال عن زملاء الدارسة الذين يشاركونهم الاهتمامات نفسها، وصولاَ إلى تنظيم لقاءات وأنشطة اجتماعية خارج المدرسة، وهنا ربما تحتاج إلى مزج التشجيع مع القليل من التدريب على التعاون، اختيار الموضوع الذي ستتحدثون فيه على الغداء مثلاً، السماح للآخرين بالتحدث حو اختيار وتحديد الأنشطة وإبداء آرائهم في الأمر، أو التدرب على كيفية قول الأشياء الإيجابية للآخرين.
8.
----------
في عالم الحرب الصاخبة التي تحصل في أرجاء كثيرة من المعمورة اليوم فإنه من المهم جداً أن نتواصل مع أطفالنا في هذا الشأن،
نتحدث إليهم
نرى ماذا يدور في خلدهم وبماذا يفكرون أو ما الذي يفهمونه مما يحصل حولهم وبماذا يشعرون.
ومن ثم نساعدهم على فهم العالم الذي يعيشون فيه.
ولا ننسى حين نتحدث عن الحرب أو المآسي فمن ا لمهم التركيز هنا على المشاعر بعيداً عن تفاصيل الأحداث وباستخدام كلمات وتعابير يدركها الأطفال.
وعلى الرغم من أهمية إجابة أسئلة الاطفال عن الحروب، فإن عدم إعطائهم معلومات كثيرة عن هذه الحروب في أهمية إجابة أسألتهم أو قد يون أكثر أهمية منها.
فعوضاً عن الحديث عن الدمار الذي يحصل جراء الحرب والأسلحة والقنابل والقتل الذي يحصل، فإن فتح حوار مع هذا الطفل عن أهمية إيجاد طريقة للتعايش السلمي بين الناس أمر مهم جداً لتجنب ما يحصل من هذه الحروب.
ومن المهم جداً أن نعطي الأطفال انطباعاً إيجابياً عن المستقبل في حديثنا معهم حتّى لا يخافوا المستقبل أو يفقدوا ثقتهم فيه.
إن أسوأ مل يمكن أن تفعله هو حماية الأطفال، فالأطفال معرضون للعالم الخارجي، وإن خير ما تفعله لهم هو تجهيزهم ومساعدتهم لمواجهة هذا العالم الخارجي والتعايش معه.
فالعالم ملئ بالأشياء والأحداث الغير سارة، فإذا ما أردنا الحديث عنها أو بعضها أمام أو مع أطفالنا فعلينا أن نختار الطريقة والأسلوب والمفردات التي تجعلها مفهومة لهم أسهل الطرق في فعل ذلك هو فتح باب الحوار معهم.
ومن أكثر الطرق فاعلية في هذا المجال هو قراءة بعض الموسوعات المبسطة مع الأطفال فقراءة كتاب أو موسوعة تبعد شبح استمرارية الحدث عن عقل الطفل كما يشاهد ويسمع في أجهزة الإعلام.
الاتصال الفعّال مع أطفالنا أمر لا يحصل خلال الليل فنستيقظ الصباح لنجد اتصالنا بهم صار أفضل.
إنه يحدث وفق خطوات متتابعة الواحدة تلو الأخرى، التقنيات والمهارة الضرورية لفتح حوار، التواجد، الإصغاء، التعليم.