أفكّر كثيراً بكلمة "نعم"، التي تملؤنا غبطةً وسروراً، وتشعرنا بالطواعية واللّين والسّلام والانشراح، وتحيي فينا الرّضا والطمأنينة، وأتساءل: لماذا لا تكون كلمة "لا" جميلة لدينا، بحلاوة كلمة "نعم"؟
لماذا
"لا"
ثقيلة إذا سمعناها وخفيفة إذا قلناها؟
لماذا ارتبطت
"لا"
في أذهاننا بطعم هو مزيج من المرارة والقهر والحرمان والصّدمة؟
لماذا يتعيّن علينا أن نقول "نعم" للآخرين في كل حين بينما تكون "لا" هي حصاد رغائبنا منهم؟
احسبوا كم
"لا"
يقولها لكم أبناؤكم يوميا حتى ابن العامين!
وكم مرّة نقولها نحن لأبنائنا!
تأمّلوا كم مرة نضطر إلى أن نقول
"نعم"،
أو نجبر غيرنا على قولها لتبدو
"نعم"
في مراتٍ غير قليلة، كلمة رتيبة، غير محببّة.
ماذا لو تعلّمنا أنه من حقنا أن نقول
"لا"
ومن حق غيرنا علينا أن نتقبل لاءاته؟
فنحن كثيراً ما ندفع أنفسنا لإرضاء أحبتنا بقول "نعم" وكأن "نعم" هي الشاهد الوحيد على الحب !!!
حيث نعتقد أن "لا" مقترنة بالعصيان والتمرد، بينما هي موقف ورأي، فكما أن هناك "نعم"، هناك "لا"، وإلاّ كان علينا أن نفسرّ نعم بأنها ضعف وخضوع واستلاب.
إننا نغامر بحقنا حين نستبدل "لا" بـ " نعم" لإرضاء من أمامنا
تلـك الـ.. "نعم" التي لا تفصح عن الرضا ولا تبوح بالفرح بقدر ما تخبئ القهر
تلك الـ.. "نعم" الحبيسة السجينة بين جدران الخوف أو حتى الحب، المتحفزة، المرتقبة، اليقظة، التي تبحث عن فتحة صغيرة ليتدفق منها طوفان من اللاءات، الطوفان الذي لن يرحم جبل الـ " نعم" الهش
والآن نتساءل:
كيف يمكن أن تكون لاءاتنا جميلة؟
لا تكون كذلك إلاّ إذا كانت ..... منصفة إذا قلناها، عادلة إذا قبلناها.
علينا أن نتعلم أن لا نقولها إلاّ في وقتها ومكانها، بحيث تكون جزءاً من حياتنا نمارسه ببساطة.
فالزوج يستقبل لاءات زوجته على أنها تعبير عن رأي أو رغبة أو نظرة خاصة، ولا يأخذها بمحمل العناد والمخالفة والعصبيات،
والزوجة تفهم لاءات زوجها مصلحة وخبرة، ولا تضع لاءاته في قالب التحكم والسيطرة والقسوة.
لو تعاملنا مع لاءات صغارنا على أنها جهل أو براءة، أو نموّ نحو تكوين الذات، وليست عقوقاً،
ولو فهم صغارنا لاءاتنا بأنها حماية ورأفة وإنصاف لهم، وليست تسلطاً وظلماً وحرماناً وحكم القوي على الضعيف.
هذا الجو النفسي الرائع، الذي يكون فيه الواحد منا ـ متصلاً مع ذاته ومع من حوله ـ أرضاً خصبة؛ تنمو فيه "لا" صحيحةً معافاة جميلة، لها طعم عذب يتدفق من جنباته العدل، والحب والتفاهم
عندما تتعامل مع "لا" من هذا المنطلق فإنك لن تقول: "نعم" في الوقت الذي ترغب فيه أن تقول: "لا".
إنها ليست دعوة للتمرد،، إنها دعوة لاسترداد "لا" المسلوبة
دعوة لاستعمال "لا" الجميلة، بدلاً عن "نعم" الذليلة.